أيام قليلة تفصلنا عن انتهاء المدة "الدستورية" لرئاسة فؤاد المبزع الحكومة المؤقتة التي قامت على أسس دستورية "هشة" تضمن لها الحد الأدنى من التماسك على حد تعبير أحد رجال القانون.
لكن ماذا بعد انتهاء فترة الـ60 يوما لو فرضنا جدلا أنها فترة دستورية؟ أي كيف سيكون عليه الوضع الدستوري للحكومة المؤقتة ولرئاستها بعد 14 مارس المقبل؟
لكن ماذا بعد انتهاء فترة الـ60 يوما لو فرضنا جدلا أنها فترة دستورية؟ أي كيف سيكون عليه الوضع الدستوري للحكومة المؤقتة ولرئاستها بعد 14 مارس المقبل؟
ثلاثة سيناريوهات محتملة ينادي بها خبراء في القانون الدستوري وسياسيين قد يتم اختيار أحدها للخروج من عنق الزجاجة، اولها لجوء الحكومة المؤقتة مرة ثانية إلى مجلسي النواب والمستشارين بعد أن نالت منهما تفويضا لرئيس الدولة المؤقت لإصدار مراسيم في مرة أولى، حتى تسند "مشروعية دستورية" لبقاء المبزع على راس الحكومة وبالتالي التمديد له لفترة زمنية تنتهي بتنظيم انتخابات تشريعية، أما السيناريو الثاني فيتمثل في دعوة رئيس الجمهورية من خلال مرسوم قبل انتهاء تلك المدة إلى انتخاب مجلس تأسيسي، أما السيناريو الثالث الذي دعا إلى اعتماده البعض فيتمثل في الدعوة إلى انتخاب رئيس جمهورية جديد..
رجال قانون يحذرون
ولعل اللافت للانتباه في هذه الأيام تعالي أصوات رجال قانون وخبراء في القانون الدستوري الذين حذروا من مغبة تواصل الخروقات الدستورية والتخبط في منطق "الشرعية" و"اللاشرعية" الدستورية، إذا استمر الحال على ماهو عليه الآن. ومن أوكد المخاطر التي قد تجد الحكومة المؤقتة نفسها فيه بعد 14 مارس المقبل هو الفراغ الدستوري وانتفاء عنها أية مشروعية قانونية أو دستورية حتى تواصل عملها..إذا لم يتم التوصل إلى حل خلال هذه الفترة ( 45/ 60يوما)
سيجد رئيس الحكومة المؤقت نفسه دون تفويض دستوري، ودون صلاحيات تذكر، فقدان مجلسي النواب والمستشارين لأية شرعية أو مشروعية، وحكومة مؤقتة تنتفي عنها أية صلاحيات باستثناء مهمة تصريف الأعمال.
ومهما من يكن من أمر فإن أنصار السيناريو الأول ومن أبرزهم رموز الحكومة المؤقتة وبعض الأحزاب يرون أن الرجوع إلى مجلسي النواب والمستشارين قد يفضي شرعية دستورية على تواصل بقاء المبزع في منصب رئيس الحكومة المؤقت لأشهر أخرى إلى حين تنظيم انتخابات مجلس تشريعي جديد.
وكان الوزير الأول قد بين في عدة مناسبات أن الحكومة المؤقتة في حاجة إلى الوقت حتى تتمكن من إعداد الأرضية الملائمة لانتخبات تشريعية حرة ونزيهة لأول مرة في تاريخ تونس.
انتقادات واسعة
لكن منتقدي هذا التوجه يرون أن الحكومة المؤقتة أثارت انتقادات واسعة بسبب ضبابية عملها والأخطاء التقديرية التي وقعت فيها وتذبذب أدائها مثل تعيينات الوزراء والولاة وفي المناصب الحساسية في الإدارة وفي مؤسسات الدولة التي شابها الغموض والتردد وأثارت الشبهات وطرحت عدة تساؤلات مبهمة وجدت صدى واسعا لها لدى الشارع والراي العام الذي فقد قسم منه ثقته في أداء الحكومة، ووجد البعض الآخر نفسه في حالة ذهول وارباك بسبب التناقضات المشهد السياسي.
ويقترح معارضو هذا التوجه الإسراع بتصحيح الحكومة المؤقتة لوضعها الحالي ومهامها التي يجب ان تقتصر على تصريف الأعمال لا على التعيينات والتسميات، مثل ما يدعو إليه عدد من المحامين مثل عبد الجوار الحرازي الذي أكد على أهمية الإسراع في تحديد موعد واضح لانتخابات تشريعية من خلال سن قانون انتخابي يتوافق عليه الجميع لانتخاب مجلس نواب جديد يعد لدستور جديد.
كما أن مؤسسي مجلس حماية الثورة يقتربون من هذا التوجه، إذ يرون أن على الحكومة المؤقتة أن تقبل بوجود هذا الهيكل للمشاركة في ابداء الراي ومناقشة مشاريع الإصلاحات السياسية والاقتصادية من اهمها اقرار انتخابات المجلس التأسيس وذلك للوصول بثورة 14 جانفي إلى بر الأمان وتحقيق المبادئ التي جاءت من اجلها.
لكن أنصار الرأي الثاني يرون أن الحل الأنسب والأفضل هو الدعوة إلى انتخاب مجلس تأسيسي في أقرب وقت ممكن يقولون إنه المخرج القانوني والدستوري للحكومة المؤقتة ومن أبرز الداعين له مختصون في القانون الدستوري على غرار الأستاذ قيس سعيّد الخبير في القانون الدستوري والأستاذ في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس، الذي دعا إلى الإسراع بانتخاب مجلس تأسيسي يتولى بدوره الإعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة.
تعارض بين الحكومة المؤقتة والدستور
ويؤكد قيس سعيّد أن الحكومة المؤقتة تتعارض وجودها مع الأرضية القانونية والدستورية التي بنيت عليها، وأكد على ضرورة أن يتم خلال المرحلة الانتقالية الإسراع بانتخاب مجلس تأسيسي مؤقت يمكن ان يتكون من 250 نائبا أو عضوا من مهامه الأساسية وضع قانون انتخابي خاص.
ويؤمن سعيد باللجوء إلى تنظيم السلطات تنظيما وقتيا من خلال نصوص قانونية وقتية (على غرار ما تم سنة 1955) ريثما يأتي دستور جديد، لتجاوز ثغرة طول فترة مهام المجلس التأسيسي خصوصا عند الإقرار بإلغاء الدستور السابق نتيجة للثورة.
جدير بالذكر ان الفصل 57 من الدستور التونسي على أنه "عند شغور منصب رئيس الجمهورية لوفاة أو لاستقالة أو لعجز تام يتولى فورا رئيس مجلس النواب مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه ستون يوما. ولا يجوز للقائم بمهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة الترشح لرئاسة الجمهورية ولو في صورة تقديم استقالته… وخلال المدة الرئاسية الوقتية يتم انتخاب رئيس جمهورية جديد لمدة خمس سنوات...".
كما يوجد رأي آخر يؤمن بامكانية الجمع بين خيارين دستوري وشعبي، إذا قرر المجلس الدستوري أن الحكومة الحالية -وقد حلها الدكتاتور قبل رحيله- لم تعد لها شرعية، ولو في تصريف الأمور مؤقتا، وأضمن للإجماع الوطني الذي تحتاجه تونس اليوم، فالرئيس المغادر لم ينتقل للرفيق الاعلى ولم يقدم استقالته ولم يعان من عجز دائم لكي يتولى رئيس مجلس النواب صلاحيات رئيس الجمهورية فالحالة الحالية في تونس غير دستورية، أما إذا ثبت فعلا أنه توفي وغادر الحياة ولم تعلن وفاته بعد لغاية في نفس يعقوب فإن الأمر يصبح أيضا أكثر تعقيدا..
وعليه يرى بعض رجال القانون أن جميع الإجراءات المتخذة في ظل هذه الظروف تعاني من خلل دستوري ونتائج الثورة غير دستورية وغير قانونية لا سيما وان تشكيل الحكومة الجديدة لا تستند لأي اساس دستوري يذكر.
ويرى مثلا السيد أحمد السنوسي الأستاذ في كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ورئيس مخبر البحث في القانون الدستوري إن الاستحقاق السياسي لثورة 14 جانفي يقتضي إعادة النظر في الدستور الحالي وذلك ليس من خلال تأسيس دستور جديد بل باحترام العقد الجمهوري القائم على فصل السلطات والتداول على السلطة واحترام حقوق الإنسان. ويقترح "تكوين لجنة تسهر على حماية المبادئ الأساسية التي جاءت في دستور 1959 مع التخلي عن الآليات السالبة للحرية فيه".
توافق سياسي
وبين السنوسي خلال لقاء علمي انتظم مؤخرا أنه لا بد من اعتماد مجلس يسهر على حماية المبادئ العامة للدستور الحالي ويتطلب هذا الأمر اتفاقية تأسيسية استثنائية تكون بمثابة توافق سياسي بين جميع الأطراف الممثلة للطيف السياسي في تونس
كما يقتضي اتخاذ إجراءات جوهرية تتمثل في تجميد العمل بالدستور الحالي خلال المرحلة الانتقالية، واعتماد "نص انتقالي ينظم بصفة وقتية السلطات استجابة لضرورة استمرارية الحياة العامة إضافة إلى تأسيس مجلس سياسي أعلى يحظى بتمثيلية تتوافق والمشروعية الثورية ويراقب هذا المجلس كل الأعمال التي وجب القيام بها قبل الاحتكام إلى الشعب في إطار انتخابات نزيهة وشفافة."
أما الأستاذ كمال القفصي المحامي لدى التعقيب والمتخصص في العلوم السياسية والقانون الدستوري والدولي فيرى أن الوضع حالي يعتبر استثنائيا وبالتالي لا يخول الاستناد إلى الدستور، وبين أن الحكومة المؤقتة الحالية هي في حكومة تصريف أعمال لبست الشرعية الشعبية، وليس الشرعية الدستورية.
وذكر أن سلطة الرئيس المؤقت نابعة عن توافق وطني وهو ما يعني انتفاء وجود أي منازعة في ذلك، لكنه شدد على أن الاستناد إلى الدستور لإضفاء الشرعية خطأ، وقال "لا حاجة لحكومة تصريف الأعمال الحالية البتة الاستناد إلى الدستور، فرئيس الدولة المؤقت مخول أن يتخذ أي مرسوم لتنظيم الحياة السياسية والإعداد للانتخابات حرة ونزيهة وتجاوز المجلة الانتخابية الحالية إلى حين انتخاب مجلس تشريعي جديد.
أما التوجه الثالث والذي دعا له الأستاذان في القانون الدستوري صادق بلعيد، وحبيب العيادي هو في الإسراع في اصدار مراسيم قبل 14 مارس تحدد موعد لانتخاب رئيس جمهورية جديد للخروج من المأزق الدستوري، ومن مهام الرئيس المؤقت تنقيح المجلة الانتخابية وحل الغرفتين النيابيتين والإعداد لانتخابات مجلس تشريعي يتولى بدوره سن دستور جديد.
لجنة استشارية
ويرى بلعيد أن الحكومة المؤقتة يمكنها أيضا تكوين لجنة استشارية ترأس الدولة بصفة وقتية وتقوم بتصريف الأعمال وانتخاب مجلس تشريعي، وفي صورة البقاء في حالة الفصل 57 وإقرار تمديد أجل الـ 60 يوما فان اعتماد الفصل 39 من الدستور في فقرته الثانية هو المخرج الوحيد من المأزق.
ومهما يكن من أمر فإن المخرج الذي يبدو أنه يحظى بتوافق رجال القانون ومعظم الأطراف السياسية وممثلي المجتمع المدني هو تحديد موعد لانتخاب مجلس تأسيسي عبر مرسوم انتخابي خاص، وذلك قبل 14 مارس المقبل والتوافق على الصيغة القانونية لصيغة حكومة تصريف الأعمال ومهامها..
رفيق بن عبد الله
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire