والتحام جماعي لافت من قبل التيارات والأطياف السياسية وقوى المجتمع المدني كان عنوانه الأبرز، المطالبة بإسقاط الحكومة الحالية، وانتخاب "مجلس تأسيسي"، من شأنه إخراج البلاد من مأزق دستوري ينتظر الجميع في أفق النصف الأول من شهر مارس المقبل..
خرج المواطنون التونسيون حينئذ بتلك الآلاف المؤلفة في يوم غضب شعبي واسع، ليعبروا عن أزمة ثقة إزاء الحكومة الحالية، أزمة ثقة كانت انطلقت شرارتها الأولى منذ بداية تشكيلها قبل نحو ثلاثة أسابيع، وتفاقمت بصورة تدريجية بفعل حالة الإرباك التي طبعت مواقفها، وقراراتها التي لم تكن في حجم مطالب المجتمع وانتظارات الذين ثاروا لإسقاط نظام الرئيس المخلوع، إلى جانب مراوحة الوضع التونسي مكانه، خصوصا على المستوى السياسي والدستوري، والتراجع الملحوظ في الحريات، وبخاصة حرية الإعلام التي دخلت مجال الاستهداف في الأيام الأخيرة من قبل جهات مجهولة، لكنها في كل الأحوال، من بقايا وأزلام النظام المخلوع.. ومع تصريحات فقهاء القانون الدستوري خلال الأيام الأخيرة، بوجود "مأزق دستوري" بدأ يطل برأسه في البلاد، خصوصا مع انتهاء مدة الستين يوما المنصوص عليها في الفصل 57 من الدستور التونسي، ازداد التونسيون خوفا على مستقبل الثورة، التي باتت اليوم قاب قوسين أو أدنى من الالتفاف عليها والنكوص بها إلى المرحلة السابقة، حيث اللغة الخشبية، وسياسة الإقصاء والمنع والتعتيم والوسائل البالية لإدارة شؤون الحكم في تونس.. إن ما حصل في تونس أمس، يعكس وضعا خطيرا تمر به البلاد، ربما يضاهي يوم "14 جانفي" من حيث أهميته التاريخية والرمزية.. فخروج حوالي 500 ألف تونسي في اعتصام ومظاهرات صاخبة، ومواجهتهم من قبل الجهات الأمنية بالقنابل المسيلة للدموع وبالرصاص، يحيلنا على وضع شديد الحساسية والدقة خلال الفترة المقبلة، لأنه يؤشر لتطورات وسيناريوهات لا يمكن للمرء أن يتنبأ باتجاهاتها.. تونس تمر بأيام حرجة للغاية، وعلى الرئيس الانتقالي والفريق الحاكم مؤقتا، تحمل مسؤولياتهما التاريخية، لأن أي انزلاق يمكن أن تسير باتجاهه البلاد، سوف يؤدي إلى جحيم لا نعتقد أن التونسيين مستعدون- خصوصا بعد أن دفعوا الدم من أجل الثورة على الظلم والحيف والقمع- للتفريط في هذا المكسب الهام.. إنها الرسالة الأخيرة للحكومة المؤقتة.. فهل يتم التقاطها بالشكل المطلوب؟
صالح عطية |
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire