فكلّما سقط جزء جديد من القناع الذّي كان يلبسه الحاكم الذي كان يتحكّم في قدرنا ليجعل الحقيقة تبدو أمامنا عارية كلّما اكتشفنا كم أننا كنا طيبين حتى لا نقول كلاما آخر ربما يزود آلامنا. لقد كنا في غفلة من أمرنا وحين بدت الحقيقة تبين كم أنها قاسية وكم هي بائسة وكم هي قبيحة تلك الصورة التي تجلت أمامنا أخيرا حول الحاكم الذي كنا نتوقع أنه بينه وبين الفضيلة أميال ولكن ما كنا نتوقّع أن الأمور كانت على تلك الدرجة من التعفن. سرقوا الأموال بالملايين بل بالمليارات وقلنا إن كلّ حاكم عربي في هذا الزمن الرديء إن لم يسرق الكثير من شعبه فإنه يسرق القليل وكل منهم حسب أصله وضميره يتصرف إن كان لحاكم يستعمل القمع سياسة والظلم قانونا ضمير. غيّبوا العدالة وكرّسوا التّفرقة بين أبناء الشّعب الواحد وميّزوا بين الجهات وقلنا إنّ الحاكم الذي يفتقر إلى الشرعيّة يتّبع سياسة "فرّق تسدّ" كي يتسنّى له كتم أنفاس محكوميه وكي يفرض أسباب البقاء لأطول فترة ممكنة حتى وإن كنّا نشك إن كان هناك حاكم عربي واحد ما دام جالسا على الكرسي يرى أن فرضيّة التنحّي عن كرسيّه في يوم ما ممكنة فجلّهم أو كلّهم يعتقدون في دوام الأمر لهم إلى الأبد. تفنّنوا في أساليب التعذيب ومنعوا الحريّات العامة بأشكالها المختلفة وقلنا إن الحاكم الذي يفتقر إلى الشرعية القانونية والأخلاقية يحاول شراءها بالمال أو يفرضها بحد السيف. كدسوا الأموال حتى ضاقت بها الخزائن وقلنا أن الحاكم الفاقد للشرعية يحتاج للمال كي يشتري الذمم الضعيفة وكي يروض النفوس التي تنتشي برائحة النقود وكي يدفع للجلاّدين وكي يغدق على الحاشية والمرتزقة التي يكاد لا يخلو منهم بلاط من بلاطات الملوك. شيّدوا قصورا وملأوها خدما وحشما ورفلوا في الحرير والمخمل وتزيّنوا بأفخر الماسات والجواهر والحجارة الكريمة رغم أن الشّعب يعاني من الفقر وقلة ذات اليد وقلنا أنّ الحاكم مجبولا على البذخ. جعلوا القمع أداة دالّة عليهم فقلنا إنّ الحاكم في أرض العرب يعوّض عن شرعيته المفقودة بالتخويف والترهيب حتى يستتبّ له الأمر. أفرغوا الحياة السياسيّة من البلاد من جوهرها ودفعوا التونسييّن إلى الإستقالة التامّة عن المشاركة في الحياة العامّة للبلاد وطوّقوهم من الزوايا الأربع وقلنا أن الحاكم في أرض العروبة لا يأتمن جانبا وأنه يخوّن الصديق قبل العدو ولكن ما كنا نتصور أننا كنا محكومين من عصابة ترّوج المخدرات وتتصرّف مثل أرذل العصابات بل لعلها أقل منها شأنا. عثروا في قصر الحاكم المخلوع على كيلوغرامات من المخدّرات إلى جانب الملايين من العملة التونسية والعملة الصعبة ونشروا الخبر على الملإ ويا له من خبر. كانت كل التوقّعات ممكنة إلاّ أن يقبع الشّعب سنين طويلة تحت إمرة من ؟ إنه نظام العار ونظام القذارة ونظام السقوط إلى الحضيض. يا له من وضع يجعل فرحنا بالحرية مغلفا بالمرارة. كم أضعنا من الوقت وكم كانت ثقتنا في غير محلها وكم من طاقة ذهبت أدراج الرياح وكم من ضحية سقطت وكم من كفاءة قمعت وكم من حلم بقي معلقا. بأمر من ؟ بأمر عصابة من تجار المخدرات وغسيل الأموال.. أي عصابة مبتذلة انصعنا لأمرها أكثر من عشرين سنة.
|
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire